لكل قانون استثناء أو ربما هو المطالب به مرونة القوانين بما يحقق العدالة ولا يخدم المنفعة الشخصية والفساد. فعلى الرغم من أن الدولة السورية حرصت بجميع مؤسساتها الحكومية وغير الحكومية وبكافة قطاعاتها على الاهتمام بأسر الشهداء إلا أنها لم تدرك جيداً حقيقة أن الأطفال هم المتضرر الأكبر على وجه الخصوص، ليس من جهة عدم رعاية الدولة لأبناء الشهداء لكن من جهة الحالة العائلية، فهم فقدوا الركن الأساسي في العائلة وذلك سيترتب عليها تغير في طريقة تربيتهم ومعاملتهم ومستقبلهم. فمعظم هؤلاء الأطفال يضيعون بين أموال وأشخاص، بين تشريع قديم وأزمة جديدة فرضت كل المساوئ وعطلت نصوص تشريعية سواء من ناحية التطبيق أو من ناحية الشمولية.
ففي بعض الحالات، كموضوع الوصاية على القاصرين والحضانة، تاهت التشريعات وتشعبت، ولكن لا قانون ولا فقه ولا أحكام قضائية سابقة أعطت هؤلاء الأطفال حقهم. فالقانون يقضي بأن الوصاية في حال وفاة الأب سواء كان وفاة طبيعية أو شهيد تكون فقط من حق “الجد” أي أن الجد هو المسؤول عن كل ما يتعلق بالأمور المادي لعائلة ابنه المتوفي، أما الحضانة فهي من تكون حق الأم، دون الاهتمام بأن هذه الحضانة تحتاج لمقومات مادية. وفي هذه الحالة نرى أن كل قانون يزداد صعوبة على الآخر، فبدلاً من إيجاد حل للمشكلة نراها تزادا صعوبة .
فالاستغلال الذي تتعرض له المرأة لا يمكن وصفه، سواء من الناحية المؤدية الانحراف أو من ناحية استغلال البعض لها، على أساس أنها تقبض تعويضات ورواتب وأموال طائلة حسب اعتبار البعض فيتم استغلالها. والوصي غالباً ما يستأثر بموضوع الوصية للحصول على الأموال وفرض الرأي والتحكم بمصير تلك العائلة حسب ما تملي عليه رغباته تحت مظلة الوصاية. علماً بأنه وفي أغلب الحالات قد لا يكون ذلك الوصي الشرعي الجد كفوءً أو تجده غير مبالي أبداً ففي بعض الأحيان يحتفظ ذلك الوصي ببطاقات الراتب بطاقات الصراف التي تكون من حق أبناء الشهيد، ويمارس أبشع الوسائل على تلك العائلة، حتى حق هؤلاء الأطفال من مرتب ولدهم يجب أن يذلهم من أجلها وبالنسبة لموضوع فرص العمل التي قد منحتها لدولة لزوجات الشهداء في بعض الأحيان يكون العكس تماماً فيسارع بيت العم إلى الحصول على تلك الفرصة ويكون جوابهم أنه من حقهم وليست من حق زوجته.
فأن احتاج الأمر في بعض الدوائر الحكومة إلى أي طابع مالي أو تصوير مستند أو أي ورقة فيلجأ إلى زوجة الأبن زوجة الشهيد حتى على مستوى دفع أجور المواصلات. وفي حال تم قبض أي مبلغ مالي من التعويضات فلا يكون لها نصيب بها لأنها أوكلته بذلك مع العلم أن الأطفال بحضانتها وهي المسؤولة عن إطعامهم وتربيتهم وتعليمهم. ولكن كيف تكون الأم حاضنة دون أن تكون قادرة على إطعامهم في الوقت الذي يقوم ذلك الوصي بأخذ كامل حقوق هذا العائلة دون أن يصرف أي مبلغ صغير كان أم كبير عليهم.
نحن لا ننكر أن هناك بعض الحالات الاستثنائية التي تكون فيها تلك الزوجة غير كفوء لذلك نقول بأن يكون هناك بعض لجان مختصة تتابع هذه القضايا، حتى لا يلجئ البعض على حساب الآخر، وذلك فقط من أجل الحد من هذه الظاهر الخطيرة “المتاجرة بدماء الشهداء”، والتخفيف من الضغط الذي يمارس على زوجات الشهداء. ومن هنا نجد المفارقة، شهيد قدم دمه فداء لأبنائه وأبناء هذا الوطن، وزوجته في مطبات الرياح ضاقت بها الحال إلا أن دفعت لأبشع الوسائل لتأمين لقمة الهيش وأطفال مشردون فقدوا أباً وأماً في آن واحد. من يكون السبب ومن يتحمل المسؤولية وما دور القانون في هذه لحالات. نحن نطالب بإعادة النظر في بعض القوانين، وأن يكون هناك استثناءات ومرونة في تطبيقها بما يتلاءم ومصلحة العامة.
نادين القاسم