تخطى إلى المحتوى
آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر مرسوماً يقضي بتشكيل الوزارة الجديدة برئاسة الدكتور محمد غازي الجلالي الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً بعفو عام عن جرائم الفرار والجنح والمخالفات المرتكبة قبل تاريخ الـ... الرئيس الأسد يشارك في الاحتفال الديني بذكرى المولد النبوي الشريف في جامع سعد بن معاذ الرئيس الأسد يصدر مرسوماً يقضي بتكليف الدكتور محمد غازي الجلالي بتشكيل الوزارة في سورية.. الرئيس الأسد يهنئ الرئيس تبون بفوزه في الانتخابات الرئاسية الجزائرية الرئيس الأسد يصدر مرسوماً تشريعياً برفع نسبة تعيين الخريجين الأوائل من المعاهد التقانية في الجهات ال... روسيا تطالب بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي الذي ينتهك السيادة السورية الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتعديل المواد المتعلقة بالعملية الانتخابية لغرف التجارة وغرف التجارة والصن... الرئيس الأسد يترأس اجتماعاً للقيادة المركزية.. وبحثٌ لدور كتلة الحزب داخل مجلس الشعب اللجنة العليا للاستيعاب الجامعي تقرر قبول الطلاب الناجحين بالشهادة الثانوية بفروعها كافة في الجامعات...

إشراقةُ روح..- الأديبة فاطمة صالح صالح

147099_2013_09_29_07_39_41.image1تبدأ الشمسُ فَرْدَ جدائلِها على سفوحِ التلالِ، وقِمَمِ الجبالِ الخضراءِ، التي بدأتْ أصابعُ الربيعِ تهزُّ عَطاءَها من كتفيه، فتخضرُّ روحُها، وتمشي إلى حيثُ خُلِقتْ له.. ينسابُ النورُ على صفحاتِ روحِها، وعلى شُرفةِ منزلها المتداعية.. أشعةٌ ناعمةٌ تولَدُ هذا الصباح، ذهَبيةٌ، كأنها بدايةُ نضوجِ سنابلِ القمح.. ترفرفُ أجنحةُ الكينا، وتصفقُ وهيَ تستقبلُ الشمسَ، كأنّ أوراقها لآلئُ ترقصُ في روحِ أنثى عاشقة..

قبل طلوعِ الشمسِ، نهضت (محجوبة)، قاوَمَتْ إغراءَ النومِ قليلاً، وخرجت إلى شُرفةِ الفجرِ، تلتقطُ من سِحرهِ أنفاسَها الرطبة.. تنفست بعمقٍ، عدّةَ مرات.. عَبّتْ كلّ ما تستطيعُ من رحيق.. وزفرَتهُ غنياً بالكربون.. انتعَشتْ أورِدَتها، وشعرت بالمزيدِ من النشاطِ يُنعِشُ روحَها، راحتْ ترفرِفُ بأجنحتِها الخمسينيةِ، كأنها ابنةُ عشرين، رقصَتْ ملامِحُ وجهِها الأسمرِ، كأنها سنابلُ حنطةٍ يؤرجِحُها نسيمُ الفجرِ الأخضر، فتلوِّحُ لهُ بسُمرَتِها الناضجة..
ذهبَ الفجرُ إلى شُرفةٍ أخرى في هذا العالم، وانسالَ الشعاعُ الذهبيُّ على أسطحِ المنازلِ البعيدةِ والقريبةِ، في مُحيطِ (مَحجوبَة)، لم تأبه كثيراً للمدّةِ الزمنيةِ التي استغرقها مسيرُها الباكِرِ، من أقصى غربِ الشرفةِ، إلى أقصى شمالها.. لم تأبهْ لبلوغِها الخامسة والخمسين، قبلَ عدّةِ أيام.. لابُدّ أنهُ أصبَحَ لحياتِها مَعنى.. لا بُدّ أنّ وجودَها صارتْ لهُ قيمةٌ مُجدِية في هذه الحياة.
لوحاتُها، التي تحرصُ على التوقيعِ عليها باسمِها (الجميل)، مَركونةٌ في زوايا منزلِها البعيد، تحثّها على الإستمرار، تدفعُها دائماً إلى الأمام.. الأمام..؟! أم..؟! وهل هناكَ أمامٌ وخلفٌ، حينَ تكونُ الحياةُ مُفعَمةً بالعطاء..؟!
كلُّ لوحاتِها، كانت مُستوحاةً من وجهِ صغيرِها (صَباح) الذي رحَلَ، دونَ أن يكونَ لها سَنَداً على الحياة، بل أضافَ إلى أعبائها أعباءً مُضاعَفة..
تقفزُ إحدى لوحاتِها من مكانِها، وتجلسُ القرفصاءَ أمامَ مُبدِعَتِها، كأنها طفلةٌ تداعبُ أمها، وتُبادِلُها الفرح.. تمسحُ (محجوبة) على شعرِ الطفلةِ، وتضمّ رأسَها، وتمنحُها قُبلةً صباحيةً دافئة..
آذارُ يحضنُ الكونَ، ويحضنُ روحَ (مَحجوبَة).. تشعرُ بحنانِهِ الذي رافقَها منذُ أن وَجدَتْ ذاتَها.. تمتلئُ بالنشاطِ، والهِمّة.. وتبدأ العَمَل.
إنها تعرفُ قيمةَ حياتِها، الآن، وقيمةَ عَمَلِها، وتدركُ أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى، معنى أن تكونَ إنسانة، ومعنى أن ترسمَ طريقَ حياتِها، كما تريد هيَ، وكما يُسعِدها.. كيفَ تتأقلمُ مع ظروفِ حياتِها، مهما كانت قاسية.. وقد أفلحَتْ في تحويلِ ماهوَ سلبيّ، إلى إيجابيّ، كما تراه. وهل تنضجُ السنابلُ، إلاّ بعدَ أن يمرَّ عليها فَصلٌ منَ الحرارةِ الشديدة..؟!!
منذ سنوات، كانت (محجوبة) قد استيقظتْ من كوابيسِها، لتسألَ نفسَها :
– مَن أنا..؟!
أين كنتُ قبلَ قليل..؟!
أين زوجي مُعتزّ..؟!
وهل أنا متزوّجة، حقاً..؟!
أين تالة، وهالة، ابنتيّ..؟!
أين قبر طفليَ المسكين، صباح..؟!
وكيف تكون لي ابنتان، دون أن أكون متزوّجة..؟!
وهل هذا بيتي، حقاً..؟!
وماذا يمتلكُ من مُقوِّمات البيت..؟!
الجدران الإسمنتية.؟ والسقف.؟ والغرف الواسعة.؟ والشرفة، التي تطلُّ على الطبيعة الجميلة..؟!
وهل كلُّ هذا كافٍ لأن يكوِّنَ بيتاً لأسرةٍ كانتْ حُلُمي..؟!
البيتُ وطنٌ صغير..
_______________
أبعَدَتْ عن رأسِها كلّ فكرٍ سلبيّ، يمكنهُ أن يثبّطَ هِمّتها، أو أن يعيدَها إلى نفسِ الدائرةِ المُغلقةِ، التي كانت مَسجونةً فيها، وتدورُ حولَ نفسِها وهُمومِها دونَ قرار، مدّةً تجاوزتِ الثلاثينَ عاماً.. ترَحّمَتْ على طفلها ذي الإحتياجِ الخاص، واقتنعتْ، وهيَ تنظرُ إلى صورتهِ الحبيبة، أنّ عينيهِ الصغيرتين، تحثانِها على المزيدِ من تحقيقِ ذاتِها :
-أكونُ سعيداً، كما تمنيتِ لي، يا أماه، في حالةٍ واحدة.. أن تكوني أنتِ سعيدة….
قبّلتهُ من جبينهِ، ومن خدّيهِ ، ولامَست شعرهُ بأصابعِ أمومتها، وضمتهُ إلى صَدرِها، قبل أن تركنَ الصورةَ في مكانها المُفضّل :
-سأحَقّقُ رغبتكَ، يا بُنيّ.. لكن.. ابقَ معي..
-أنا معكِ، يا أماه….
-أعرفُ يا صغيري.. ولن يهمّني، بعدها، سُخطَ أبيكَ، أو نظرةَ الشفقة، أو الإستخفاف، من أيٍّ أحدٍ في الكون..
ضحكتِ الصورةُ، وانبثقَ النورُ من عينيّ صَباحِها…
تناوَلتِ الريشةَ، والألوان، وبدأت ترسمُ مشاعرَها…..
تناسَتْ أنها لوحدِها…. بل، لم تعُد لوحدِها… صَباحُها يرافقها.. ويساعدُها على إقناعِ أختِهِ هالة، أن تنسى ريمون، وخداعَه… وأن تنهضَ من جديد…
-ريمون، لا يعرفُ إلاّ مَصلحتهُ الخاصة، يا أختي.. ولا تهمهُ مشاعركِ، أو مشاعر كلّ مَن خَدَعَهنّ… ها أنتِ ترين، فقد تزوّجَ من تحققُ لهُ رغبته، ونسيكِ، كما نسيَ كلّ ضحاياه… لا تلوميهِ يا أختي.. فقد ربّاهُ أبواهُ على هذهِ الأنانية..
-لكنني مُحَطّمةٌ يا أخي.. أنا مُحطّمةٌ يا صباح…
-لستِ محطمة.. أنتِ تعاقبينَ نفسَكِ التي صَدّقتْ ريمون، وأضاعتْ من عمرِها سنتين، وهيَ لا ترى سواه.. تركتِ دراستكِ، والتحقتِ بأهوائه.. كنتِ تفاخرينَ أنهُ يغازلكِ أكثر من بقيةِ الفتيات..
-لا تزيديني ألماً، يا أمي.. حتى أنتِ ضدي..؟!
-أنا معكِ، ولستُ ضدكِ، يا هالة.. تبقينَ ابنتي، رغمَ تمرّدكِ، وعنادِك..
-ألم يخدعكِ زوجكِ أنتِ..؟! اعترِفي..!!
-لكنني نهَضصتُ، وتابعتُ حياتي بما تبقّى لديّ من طاقة.. وأنتِ ترينَ النتائج..
لم يكنْ لديّ أيّ سلاحٍ أواجهُ بهِ العالمَ، بمُفرَدي.. فاعتمدتُ على مَوهبتي، مِنحَتي الرّبانية.. ولم أسمحْ لأبيكِ، ولا لبقيةِ الأشواكِ المُتألّبةِ، أن تمنعني من تحقيق ذاتي.. أنقذتُ ما يمكنُ إنقاذه… أنتِ مازلتِ في ريعانكِ، يا ابنتي.. قومي… فالحياةُ هديةٌ من القوةِ الخالقة.. ويجبُ علينا أن نملأها بالعطاء، الذي يُغنيها.. كي نرضي الله.. عندها، فقط، نثبتُ أننا نستحقّها..
-مازلتُ في ريعاني..؟! نسيتِ أنني تجاوَزتُ الخامسة والثلاثين..؟؟! نسيتِ أنّ تالة تزوّجتْ مَن أحبها وأحبتهُ، ورُزقت بطِفلين..؟! نسيتِ أنها مدرّسة، وأنا لم أحصل على الشهادةِ الثانوية..؟! هل خرِفتِ..؟!
-لم أخرف، بعدُ، يا هالة…. أعرفُ كلّ ذلك… لكن….
-لكن، ماذا..؟!! ستقولينَ لي : لم يفتِ الأوانُ، ولن يفوتَ، مادمنا على قيدِ الأمل… أنا لا أشعرُ بأيّ أمل.. أنا مَيتة..
-مَن التي تكلّمني، إذاً..؟!
-اضحكي.. اضحكي عليّ، كعادتِك…..
كانَ محمودُ قد عادَ من غُربتهِ، حاصِلاً على شهادةٍ رفيعةٍ، أهّلتهُ لإنشاءِ معملٍ لصناعةِ الألبسةِ الجاهزة، بخِبرَةٍ مُضاعفة.. شجّعهُ على إنشائهِ في مدينتهِ الساحليةِ، تحسّنُ وضعِ الوطنِ، بعد خمسٍ عِجاف.. وبدأتْ براعمُ ربيعِنا الحقيقيّ تلوّحُ للفجرِ الأخضرِ، بعدَ ليلٍ دامِسٍ أحمر.. لم يقدر، خلالَ تلكَ السنواتِ الحارّةِ، أن يحضرَ زفافَ أخوَيهِ الشهيدَين.. لكنهُ قرّرَ أن يثأرَ لهما، على طريقتهِ الخاصّة..
-أعرف.. تظنينَ أنّ محمود، سيقبلُ بي، بعد كلِّ ماحصَل..!!
-لا أظنّ ذلك.. لكنهُ يبحثُ عن عاملات… وقد أخبرتُهُ بوضعِكِ، عندما استفسَرَ عن حالتك..
-تشحذينَ عليّ..؟!
-أكسرُ فمكِ، إن تطاوَلتِ عليّ، بعد الآن…. قومي.. افتحي الباب… ألا تسمعينَ رنينَ الجَرَس…..؟!

صحيفة (الأسبوع الأدبي ) العدد الصادر يوم الأحد 15/5/2016م

Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print

إقرأ أيضامقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

تابعونا على فيس بوك

مقالات