طرطوس _ عبد الرحيم أحمد:
على قمة جبل وعلى مدى ثلاثين يوماً حمل أزميله ومنشاره يخط في جسد الخشب اليابس عروق الحياة لملكة ذاع اسمها في الشرق والغرب، وتحت أشعة شمس تموز الحارقة ورطوبته المعهودة في طرطوس، خرجت زنوبيا من يباس جذع شجرة الكينا إلى الحياة حاملة رسالتها إلى العالم «سورية لن تموت مهما حطمت أيادي الجهل والظلام والتكفير من الأوابد التاريخية.. هناك أيدٍ تعيد كتابة التاريخ لأجيال ستأتي لتلعن فجور الإرهاب وداعميه».
فنانون سوريون اجتمعوا تطوعاً في ملتقى النحت على الخشب في بلدة النقيب المطلة على بحر طرطوس تحت عنوان « تدمر بوابة الشمس» فصاغت أزاميلهم القاسية ومناشيرهم الخشبية إيقونات سورية هي إرث للأجيال القادمة.
هل تموت زنوبيا من جديد؟
صاحب منحوتة زنوبيا الفنان علي بهاء معلا وخلال زياراتنا المتكررة إلى الملتقى أطلق صرخة الألم والخوف على هذه المنحوتات الخشبية من أن «تتفسخ وتفقد بريقها» و ليس بسبب إهمالٍ من بلدية النقيب المشرفة على الملتقى فهي قدمت «مايمكن أن تقدمه»، وإنما بسبب عوامل الطقس من أشعة الشمس الحارقة نهاراً ورطوبة عالية تفعل فعلها في جسد الخشب.
شقوق في الوجه والصدر تتوسع يوماً بعد يوم ويد الفنان تتلمسها ألماً «حرام» يقول الفنان معلا في تصريح لموقع بتوقيت دمشق ويضيف«المنحوتات الخشبية تختلف عن المنحوتات الحجرية ..يجب أن تعرض في صالات مغلقة بعيداً عن عوامل الطقس من حرارة ورطوبة ..فمهما قمت بمعالجة الخشب لن يقاوم ويتحمل مثل الحجر» داعياً وزارة السياحة ومحافظة طرطوس إلى الإسراع بنقل وتوزيع هذه الأعمال وعرضها للجمهور في أماكن تليق بها وتحميها كما وعد السيد وزير السياحة في ختام الملتقى.
الفنانة علا هلال صُدمت خلال زيارتنا إلى الملتقى قبل أيام برفقة عدد من الفنانين والإعلاميين ولم تصدق عيناها .. بقع بيضاء ورمادية على سطح الكرة المتربعة على رأس سمكةٍ عملت عليها شهراً بكل جد وتعب ، وسألت باستغراب.. ما الذي أصاب منحوتتي؟ رد الحاضرون .. إنها الرطوبة العالية وأشعة الشمس والحرارة التي فعلت فعلها في المنحوتات التي لاتستظل سوى بالسماء الزرقاء وبعض الغطاء القماشي ليلاً.
صرخة لإنقاذ المنحوتات.. فهل من مجيب؟
صاحب منحوتة «أسد اللات» حارس المعبد في تدمر، الفنان حسن محمد هو الأخر يسكنه هاجس الخوف على المنحوتات، وطالب وزارة السياحة والوزير شخصياً «بتنفيذ وعده» الذي أطلقه في ختام الملتقى باقتناء الأعمال الخشبية في المنشآت السياحية والوزارات والمؤسسات «إنقاذاً لهذه الأعمال وحفظاً لجهد الفنانين الذين تطوعوا على مدى شهر كامل دون مقابل فقط من أجل أن يقدموا أعمالاً فنية تليق بسورية وحضارتها.»
أنقذوا زنوبيا وأسد اللات وغيرها من المنحوتات الهامة التي أبدعتها يد الفنان السوري سيما وأن الملتقى سنوي ونحن مقبلون على ملتقى النحت على الحجر ستولد فيه إيقونات سورية جديدة تنتظر أنامل الفنانين وأزاميلهم.
كلمة في الختام.. إن أي من الإعمال الناجحة لن يكتمل نجاحها مالم توظف في المكان الصحيح، وإن الرسالة التي أردناها من الملتقى وصلت حدود الصين وروسيا عبر مراسلين من دمشق .. لكن من أجل أن نحفظ تعب الفنانين ونجاحهم لابد من إكمال المهمة .. والسلام.
بانوراما طرطوس- بتوقيت دمشق