– من سنوات وهو يكلمني بالإشارة..
لا تقولي إنكِ لا تعرفين ذلك ياابنتي..
لا تكذبي..لاتنافقي كأبيكِ..
لا تتجاهلي واقع أمّكِ القاهِر..
كيف لأختِكِ أن تفهمني ..وأنتِ لا..؟!
أنت لا تريدين أن تفهميني يا هالة..أنتِ من حزب بيت أبو ريمون..
لا تفكرين إلا بنفسك..ياابنة أبيكِ..
يريد فقط أن يقدّم لي ..
أن يعطيني..
ولا يقبل الأخذ مني..
وهذا كله ذلّ ياهالة..
ذلّ في الحاضر..ومشروع إذلال ٍفي المستقبل..مخبّأة كقنابل موقوتة لصالحه..وضدّي..
من يعطي..ولا يقبل الأخذ..لاتكون نواياه صافية..
هل فهمتِ ..؟! أم لاتريدين أن تتعِبي نفسكِ حتى بمحاولة الفهم..
تتقمّصين ريمون وأهله..
أنتِ لستِ ابنتي..سأدوس على قلبي يا هالة..هذا الذي أتعبني التعامل به دهرا ً..بدون استعمال عقلي..
* * *
– كلمة طيبة يا أبو صباح..بكلمة طيبة ، تأخذني إلى البحر وتردني..- كما يقولون -..
الكلمة الطيبة تفعل العجائب..وأنت تقرأ القرآن الكريم..وتعرف أن الله تعالى شبّه الكلمة الطيبة بشجرة طيبة..أصلها ثابت وفرعها في السماء..
– اخرسي..وإلا قطعتُ لسانكِ..
وتهرب من هيجان حماقة زوجها ..خائفة ًمقهورة..
هالة، تراقب الوضع بلؤم مازالت صغيرة عليه..تتعاطف مع أبيها..أمام أمها العنيدة..
بينما تالة، تبكي بصوت مكتوم ،تحت الغطاء..بعد أن كتم صراخها ،صوتُ أبيها الغاضب..
__________________
كانت تحاول أن تنقل إليه بعض الأحاديث..أو المواقف..التي تتوقع أنها ستسعِده..وتتحيّن الفرص التي تراها أنسب لترويها له..متجنبة ً كل حرف يمكن أن يؤذي مشاعره..ويحبط الخطة..
أحيانا ً..لم يكن يقبل أن يسمعها..رغم كل الإغراءات..وأحيانا ً أخرى كان يتعطف عليها ويستمع إلى بعضها دون أن ينظر في وجهها الذي يتصنع الضحك..أو يتقصده.. ثم ..وقبل أن تكمل الحديث..أو ربما لم تحك منه إلا القليل..يتركها ويستدير..أو ربما يمشي..أو يغلق الباب دونها..فتطوي ماتبقى من الحديث..وترميه من فمها على شكل شتائم..تلقي بها على نفسها الطيبة التي تحاول دائما ً أن ترى الناس من منظارها فقط..ثم تبكي..وتبكي..حتى صارت مع الزمن تنتقم من ذاتها..أو من أدوات المطبخ..أو تنهال ضربا ًعلى ابنتيها..
مرة ً..سمعها تشتم..بعد أن أغلق الباب..وابتعد خطوات عنه..فعاد..وفتحه ..تصنعت الطبيعية..لكنه سألها:
– تشتمين..؟! هل كنت تشتمينني..؟!
– ……………
– هل كنت تلعنينني..؟! أجيبي..
– كنت ألعن نفسي..
وكانت تكذب..لتتقي شرّه..
كانت تتعمّد – في المناسبات والأعياد- أن تقول له:
– كل عام وأنت بخير..
وتقبله..
أحيانا ً..كان يردّ عليها..ومؤخرا ً..صار يردّ قبلتها لكن بلا حرارة..وأحيانا ًيردها بمثلها..فتتشجع على التقرّب منه بكل الوسائل الممكنة..
مرة ً..دعت بعض الأصدقاء والأهل الذين تراه يرتاح لهم..ليفاجئوه بالاحتفال بعيد ميلاده..وعندما دخل المنزل تحلق حوله الجميع..وقالوا بصوت واحد:
– كل عام وأنتم بخير..
لكنه لم يردّ..إلا بمجاملات تحمل في طياتها تسخيف الموقف..
لكنها لم تكتف بذلك..فدخلت وراءه إلى المطبخ..عانقته..قبل أن يلتفت..وقبلته بحميمية../ كل عام وأنت بخير/..
وقبل أن تحقق ماحلمت به..كان قد دفعها بكل قوته..مهدّدا ًمتوعّدا ً..
– قلت لك ِ ألف مرة..بلا هذه الطقوس..بلا هذه الطقوس السخيفة..اغربي عن وجهي..وأفلتَ نفسه منها ..بل هي التي أفلتت..هاربة ًمن ضربة ِمحتملة من يده المرفوعة..
* * *
كان / معتز / يردّد في نفسه:
هذه زوجتي.. أضمن طاعتها.. فلأدعْها في المنزل مطمئنا ً أنها ستؤدي الطاعة والحب والاهتمام.. بما يكفيني من كل ذلك ..
فلأعمل على إثبات وجودي.. ونزاهتي.. وتميزي.. خارج نطاق عائلتي.. ولأوَسّعْ من دائرة أصدقائي المعجَبين ..
فهذا ما يجعلني أشعر بكياني واحترام ذاتي.. وأنه، لا أحد من كل من أعرفهم أحسن مني ..
تضاعَفَ إحساس محجوبة بالحرمان.. بعد زواجها بمعتز.. الذي كانت تأمل أن يغدق عليها من حبه وحنانه واهتمامه .. مايعوّضها عن كل مافقدته..
لكنه، عندما شعر بحاجتها الملحّة..واللجوجة إلى التعويض عن فقدان الأب.. فضاعفت من اهتمامها به كشريك..وصارتْ لحظة الحب من زوجها.. أو كلمة طيبة منه..تساوي عندها كنزا ً..لايعوّضه كنز ٌ في العالم..
أدركَ معتز.. النقطة الأكثر حساسية ً في شخصيّة محجوبة..
وكان قد جرب معها كل أساليب العنف التي يعرفها ليطوّعها..دون جدوى..
فصارتْ تغدِق على زوجها من الحب والاحترام والاهتمام..كل ماكانت تحلم أن يغدقه هو عليها..
حتى بعدما أنجَبَتْ طِفلهما ، لم تنسِها أمومتها.. مسؤوليتها عن حاجات ومشاعر زوجها.. كما لم يستطع حبها لابنتيها وطفلها المعوّق .. أن يعوّضها عن الحاجة إلى حبّ واحترام..واهتمام زوجها..
وعندما لم تعثر محجوبة على نقطة التقاء مع زوجها..هي التي اختارته راضية متفائلة.. محسودة من قِبَل الكثيرات على حسن اختيارها.. صارت تختبر شخصيّته لتدخل من أكثر مناطقها حاجة لديه لتلبيها له وتنال عليها المكافأة المتوقعة من الحب والإهتمام..واجتذاب روح وقلب وكيان زوجها.. فلم تجد أية حاجة مشتركة تسعد هما معا ً..إلا العلاقة الجنسية بينهما.. هي التي بقيت سنوات طويلة حتى استطاعت مشاركته فيها بشكل كامل ..نظرا ً لتربيتها على كبت هذه الغريزة.. وربطها بالحرام.. لدرجة أنها عندما استيقظت في طفولتها على أمها وأبيها وهما على هذه الحالة الحميمة..عندما حضر أبوها في إحدى الإجازات.. بكت كثيرا ً تحت اللحاف.. واهتزت صورة أبويها في ذهنها .. / كيف ينهوننا عن الحرام.. ويفعلونه..؟!/ مما كان يُسخِط زوجها.. ويُشعِره بالفشل في إسعاد شريكة عمره، الجميلة، التي تضجّ بالحياة ، والنشاط ..
– إذن .. حتى في هذه أنت َ عاجز ٌ.. وفاشل ٌ.. يا معتز ..؟!
لم يترك شيئا ً من المثيرات إلا واستخدمه لإثارة زوجته .. حتى استطاعتْ إقناعه بعد سنوات طويلة أنها أصبحت تشاركه المتعة بنفس الدرجة التي يسعد هو بها إن لم يكن أكثر..
مما أسعَده.. وأعاد له الكثير من الثقة بنفسه.. وقدراته..
لكنها كانت تكذب.. لتسعِد زوجها .. ولترمّم مابينهما من شروخ وصدوع .. لتعيد بعض التوازن إلى حياتهما الأسريّة ..
كان إحساسها / بالخيانة /.. يتضاعف في كل مرة تكون مع زوجها بالجسد.. ومع آخر بالروح ..
- الرئيسية
- ثقافة
- من الجزء الثاني من رواية (صَوتٌ، وأصداء )..- الأديبة فاطمة صالح صالح
من الجزء الثاني من رواية (صَوتٌ، وأصداء )..- الأديبة فاطمة صالح صالح
- نشرت بتاريخ :
- 2016-09-21
- 12:15 ص
Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print
تابعونا على فيس بوك