يثير الحديث عن الزواج في هذه الأيام الكثير من الهموم والتساؤلات المتعلقة بالتكاليف العالية التي باتت خارج حدود السيطرة، سواء أكانت لجهة متطلبات الأهل أم لجهة تأمين مستلزمات الحياة الزوجية، وفي مقدمتها المسكن الذي وصلت بدلات إيجاره أو شرائه إلى أرقام عالية جداً، وهذا ما فرض مع الواقع المعيشي العام والظروف المختلفة حالة العزوف عن الزواج، وعدم التفكير بهذا المشروع الاجتماعي من قبل الشباب الذين يفشل الكثير منهم في اجتياز امتحان مطالب أهالي الفتيات وشروطهم.
وطبعاً هذا المشهد الحياتي لا يمكن تعميمه على المجتمع، فهناك من يؤمن ويعتقد بأنه من الضروري في هذه الأيام الصعبة التخفيف من الأعباء المادية، والتقليل من الطلبات التي تدفع بالكثير من الشباب إلى العزوف عن الزواج والانزلاق في متاهات أخرى ذات تداعيات على القيم الاجتماعية وروابط التماسك المجتمعي.
فالزواج في نظرهم مؤسسة تشاركية، رصيدها الحب والتفاهم بين الشريكين، وليست شركة تجارية رصيدها المال وهدفها الربح على حساب الحياة الزوجية التي تنظمها النصوص القانونية والدينية وتحدّد حقوقها وواجباتها دون أي مغالاة.
وبين كلا الموقفين هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها مفادها.. أن الاستمرارية في الحياة تتطلّب الزواج والإنجاب وتكوين الأسرة، وتحقيق هذه الغاية أسمى من التمسّك بمحبس برّاق والإصرار على زفاف مليء بالكماليات لإسكات أفواه الناس، فالتحديات المادية كثيرة لذلك فإن القناعة والرضى بين الشاب والفتاة هو الأساس وليس تفاصيل جزئية قد تعكر وتعيق حالة الاستقرار المجتمعي، وهذا ما يستدعي مساعدة الشباب وتسهيل وتبسيط دروب الدخول إلى قفص الزوجية وخصوصاً في الضائقة الحياتية التي نمرّ بها.
وطبعاً ما يفرض طرح هذه القضية مجدداً ارتفاع معدلات العنوسة، وازدياد أعداد الشباب العازفين عن الزواج وبشكل فتح ويفتح الطريق لمرور العقود العرفية التي قد تتخطّى العدد الشرعي المتعارف عليه لتعدد الزوجات، وبطريقة تبيح الانحلال الأخلاقي وتزرع في قلب المجتمع العديد من الأمراض الاجتماعية التي تفكك روابط المجتمع العائلي، وتحقن الجيل المستقبلي بجينات وراثية موبوءة بالكثير من العلل المعطّلة لمنظومة القيم والأدبيات والمفاهيم الاجتماعية التي تُعدّ من أهم الركائز التربوية والدينية في حياتنا.
ولاشك في أن المسؤولية التي يتقاسمها المجتمع الأهلي مع الجهات الرسمية والدينية تقضي بضرورة التعاون في رعاية الأعراس الجماعية والإكثار منها، كونها تؤمّن عبوراً آمناً من بوابة العزوبية إلى الحياة الزوجية.. فهل من مجيب؟!.
بانوراما طرطوس- البعث