لقمة العيش هي اليوم ما يشغل بال المواطن، وهي ما تتمحور حولها حياته كاملة. سابقاً كانت هناك اهتمامات كثيرة يسعى المواطن إلى تحقيقه والسؤال عنها والعمل لأجلها، لكن الحرب وما حملته من فقر وحرمات وتردي بالأوضاع الاقتصادية جعلت السواد الأعظم من السوريين لا هم لهم سوى تأمين لقمة عيش عائلاتهم ولو بالحد الأدنى، فمن الذي يبحث عن شراء عقارات أو سيارات أو تحسين نمط حياته ومعيشته في ظل شيوع الفقر وتحقيقه لمستويات كارثية.
ما سبق ليس سوى مقدمة للقول إن انحسار وتقلص اهتمامات المواطنين وطموحاتهم، يفترض أن يتيح للحكومة ومؤسساتها التركيز على هدف واحد وتسخير كل الجهود لتحقيقه إلا وهو دعم المواطنين ومساعدتهم للحصول على احتياجاتهم الغذائية الرئيسية بصورة تقيهم شر العوز والفقر الغذائي، وهذا يمكن أن يتحقق من خلال العمل على دفع عجلة الإنتاج بشكل فعلي، وتشجيع المنافسة وكسر الاحتكار، وتهيئة البيئة المناسبة في المحافظات الآمنة لتشجيع رجال الإعمال السوريين على الاستثمار وفتح مشاريع جديدة.
فمثلاً لو كانت الحكومة أمام خيارين حيال سبل إنفاق خمسة مليارات ليرة، تخصيص المبلغ المذكور لاستيراد السكر والرز لتوزيعهما بموجب البطاقة التموينية، أو تخصيصه لمؤسسة الإسكان للإقلاع بضاحية سكنية جديدة أو إكمال مشاريع، فإن الرأي الشعبي سيكون مع الخيار الأول بالنظر إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية الراهنة. فهل الحكومة فكرت بهذا المنطق خلال العامين السابقين؟ وهل كان لديها الجرأة لتحدد خياراتها وتحارب لأجلها كل الفساد المستشري والسياسات الاقتصادية المدمرة للبنية الاجتماعية والاقتصادية الوطنية؟.
لكن ما حصل خلال الفترة السابقة يؤكد أن الحكومة كانت تفكر وتعمل بما يخالف المنطق والواقع، وهذا ما تؤشر إليه قرارات زيادة الأسعار، تحييد الكفاءات والخبرات لصالح مجموعة من المنتفعين والوصوليين، فضلاً عن طريقة تفكير الحكومة وتوجهاتها وآلية عملها ومدى قدرتها على تنفيذ ذلك.
بانوراما طرطوس-سيرياستيبس