وسط أخبار متفائلة عن موسم القمح هذا العام، وغيره من المواسم، وترافقها بمخاوف انتشار غير مسبوق للحرائق، سلّط مركز دمشق والأبحاث الضرر على موضوع التأمين الزراعي في سورية بنشره دراسة للباحث في التأمين الدكتور رافد محمد بعنوان «التأمين الزراعي في سورية: فرص ضائعة وخسائر متتالية».
استهل الباحث دراسته بالإشارة إلى أن الحديث عن التأمين الزراعيّ في سورية يعود ويتجدّد كلما حلّت كارثة طبيعية مسببةً أضراراً بالغة في أحد المحاصيل الزراعية، «حينها نعتقد أن التأمين الزراعيّ بات قاب قوسين أو أدنى من التطبيق، حيث يلقى اهتماماً واسعاً من أعلى الجهات الحكومية، وفي ما عدا الأيام التالية للكارثة، فلا حديث يُذكر عن هذا الموضوع، والنتيجة دائماً واحدة: لا تأمينَ زراعيّاً في سورية حتى تاريخه، ولا خطوات جدية في هذا الإطار».
وأضاف الباحث «يصل الحديث أحياناً عن التأمين الزراعي كمن يريد إعادة اختراع الدولاب، فالتأمين الزراعي ليس بالمنتج المطلوب ابتكاره محلياً، بل إنه نوع من أنواع وثائق التأمين المعروفة والمطبقة في مختلف أنحاء العالم، وإن كانت بلدان المشرق العربي الأحدث عهداً في ذلك، حيث ما يزال ضمن نطاق ضيق ومحدود».
وشدّد الباحث على أن للتأمين الزراعي دوراً محوريّاً في تحقيق الأمن الغذائيّ على أساس إسهامه الفاعل في تحقيق الاستقرار لقطاع الزراعة الذي يمثل أساس وجود الأمن الغذائي، «وهو ما يجعل دوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا يقل أهمية عن أي قطاع اقتصاديّ آخر، لا بل يفوق بقية القطاعات لسبب نراه أساسياً وهو أن هذا القطاع يستطيع العمل والنمو بأقل قدر من الحاجة إلى المستوردات (ضعف ارتباطه بالخارج من ناحية مستلزمات العمل به) وفي الوقت ذاته حاجة الدول الأخرى له من ناحية الصادرات، وبالتالي تأثيره الإيجابي في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، ولا يخفى على أحد أهمية ذلك على السياسة المالية (إيرادات جيدة بتواتر جيد واستمرارية) والنقدية (تحسين قيمة العملة الوطنية) للدولة، وهو ما يعطيه ميزة عن سواه، تجعل من الأولى العمل على تنميته».
17 مقترحاً
بناءً على ما سبق، طالب الباحث بضرورة الانطلاق بالتأمين الزراعي من دون مزيد من التأخير الذي يسبب مزيداً من الخسائر، مهما بلغت صعوبات البدء به، وكلفته على الدولة، في حال قررت دعمه بإسهامها في الأقساط، إذ لا يوجد مجال لمقارنته مع الكلفة السنوية والمتكررة للأضرار التي تسببها أي كارثة طبيعية أو مناخية على المحاصيل الزراعية، كما أن الفوائد الجمة التي سيجنيها الاقتصاد والمجتمع والبلد كله، ستجعل من تكاليف التأمين الزراعي استثماراً ناجحاً وإنفاقاً موفقاً من الحكومة.
وفي هذا السياق طرح الباحث 17 مقترحاً لبدء تفعيل التأمين الزراعي، تضمنت أن تبدأ المؤسسة العامة السورية للتأمين بتسويق وثيقة التأمين الزراعي، بصفتها ذراع الحكومة في قطاع التأمين، دون احتكارها لذلك، والبدء بتأمين محاصيل إستراتيجية كبيرة (القمح، القطن، التبغ…) نظراً لأهميتها، ولامتلاك الحكومة سيطرة جيدة على تسعيرها وتسويقها، وهو ما يجعل من تطبيق التأمين الزراعي أمراً أكثر سهولة وفعالية من النواحي كافة.
إضافة لإمكانية البدء في الوقت ذاته بتأمين البندورة في الصالات البلاستيكية نظراً لسهولة حصرها وتموضعها المكثف في منطقة جغرافية واحدة، ويطبق الأمر نفسه بالنسبة لمحصول البطاطا الربيعية والخريفية، وكذلك البدء بتأمين الثروة الحيوانية، من خلال تأمين الأبقار بسبب توافر إحصائيات جيدة عنها في وزارة الزراعة، والبدء فوراً بحصر أعداد بقية الثروة الحيوانية، تمهيداً لتأمينها بأسرع وقت، وكذلك تأمين الدواجن التي من السهل حصر أعدادها ومراقبتها، وتأمين تربية النحل.
وتضمنت المقترحات التدرج في شمول التأمين للمخاطر (كما في حال المحاصيل) لحين توافر الخبرة الإدارية الكافية لشمول الأخطار والمحاصيل كافة (المفترض في عدة سنوات فقط)، بحيث نبدأ بتغطية مخاطر الجفاف، البَرَد، الصقيع، الرياح القوية والعواصف، الحريق، التلف نتيجة آفات زراعية، والاعتماد على طريقة مؤشرات الطقس، في حال تأمين الجفاف والصقيع والرياح، بعد التأكد من إمكانية محطات الرصد الجوي، في مراقبة وقياس شدة الظواهر الجوية، وكذلك الانتشار المناسب لهذه المحطات، بحيث تقوم الحكومة بضمان وتمويل هذا الانتشار والتقنيات اللازمة لذلك، لأن هذه الطريقة سوف تلغي أو تخفف إلى حد كبير سوء الاستخدام والهدر في التأمين الزراعي، كيلا نقع في ما وقع به التأمين الصحي من هدر وسواه، ومهما بلغت كلفة تجهيز هذه المحطات فهي أقل بكثير من ذلك الهدر، ومن الخسائر التي تسببها الكوارث الطبيعية والجوية.
واقترح الباحث أيضاً الاستفادة من انتشار فروع المصرف الزراعي التعاوني على المناطق السورية كافة وبشكل قريب من المزارع، في تحصيل الأقساط وسداد التعويضات، على أن تقتصر مهمته في الإدارة المالية فقط (تحصيل وسداد) مقابل عمولة متفق عليها مع جهة التأمين، والاستفادة من انتشار الوحدات الإرشادية الزراعية في مختلف مناطق الريف السوري، وذلك في توعية المزارع بأهمية التأمين، وتخفيف سوء الاستخدام له، وكذلك في معاينة الأضرار إن لزم الأمر.
إضافة إلى إلزامية التأمين الزراعي، وفق آليات ضبط لذلك، ومن تلك الآليات ربط التمويل المصرفي بالتأمين، والاستئناس بأسعار التأمين الزراعي المعتمدة في دول الجوار والدول ذات المحاصيل والمناخ الأقرب إلى سورية، ومراجعة هذه الأسعار بالاعتماد على المعطيات (البيانات) التاريخية والواقعية لتعديل هذه الأسعار، والاعتماد على البيانات المتوافرة لدى وزارة الزراعة وصندوقي الدعم الزراعي وتخفيف الكوارث، وكذلك الأرصاد الجوية.
كما تضمنت المقترحات الاستفادة من وجود شركة الاتحاد العربي لإعادة التأمين (شركة الإعادة الوحيدة في سورية) في عقد اتفاقيات إعادة التأمين الزراعي، إضافة إلى محاولة إجراء إعادة تأمين خارجية تتضمن احتمال تجاوز الخسائر لحد كبير جداً، بهدف تخفيف العبء في هذه الحالة عن الاقتصاد السوري، كما أن وجود إعادة التأمين يمثل رقابة إضافية على عمل جهة التأمين وإدارتها لمحفظة التأمين الزراعي، إضافة لتولي التأمين الزراعي من مؤسسة وشركات التأمين فقط، كمنتج تأميني بحت، وعدم الاعتماد على جهات وسيطة أخرى في إدارة التأمين الزراعي (عدا الدور المقترح للمصرف الزراعي)، بهدف تركز المسؤولية وحصرها، وسهولة ضبط المحفظة التأمينية وإدارتها، وعدم فتح باب جديد للفساد.
واقترح الباحث إسهام الحكومة بنسبة من أقساط التأمين، يتم احتسابها بما يتناسب مع موارد الخزينة، ومع الإنفاق السنوي على صندوقي دعم الإنتاج الزراعي وتخفيف الكوارث الطبيعية اللذين يمكن إعادة النظر في مهامهما بعد انطلاق التأمين الزراعي، وتحويل نفقاتهما إلى إسهام للحكومة في التأمين الزراعي، وضرورة إجراء حوار مكثف وواسع مع المزارعين ومربي الحيوانات في مختلف المناطق الريفية، بهدف التعرف عن قرب على المخاطر التي تواجههم، ومدى استعدادهم المادي والنفسي لقبول التأمين الزراعي، وكذلك ضرورة العمل على بناء الثقة لديهم بالتأمين وإدارته.
إضافة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة كافة لضبط الأخطار المعنوية المرافقة للتأمين الزراعي (كما سواه من أنواع التأمين)، واعتماد فرق عمل منتشرة في المناطق كافة توفر تدفقاً عكسيّاً للبيانات والمعلومات اللازمة عن تطبيق التأمين والمؤشرات المرافقة له من تعويضات مسددة، كوارث غير مغطاة، مدى الإقبال على التأمين أو الالتزام به، معرفة الحاجات الإضافية والطارئة للمزارعين من منتجات التأمين. ويمكن أن تكون فرق العمل بشكل من الأشكال مؤلفة من العاملين في الوحدات الإرشادية الزراعية.
وخيراً، اقترح الباحث العمل في مرحلة لاحقة على إلزامية التأمين على حياة المزارع وصحته والحوادث الشخصية له، لأنه أساس العمل الزراعي.
بانوراما طرطوس- الوطن