تستطيع قريتنا الغالية “الخصيبة ” أن تفخر بصمودها، يا جدي.. فرغم الفقر، ورغم الحرق، والقهر، والتجويع، والترهيب، والمداهمات، ومحاولات الإعتداء على الأعراض، لم يكن في قريتنا الغالية (الخصيبة ) أي عميل، ولا ساكت على ظلم…
-لا تنسي النساء، يا جدي.. هل غفلت عن بطولات النساء في بلادنا..؟ فأنا أفخر بأختي “أم أحمد كاملة ” فقد أخبروني أنها كانت ترتدي لباس الرجال، وتحمل سكينا، منجلا، وتعبر الوديان والغابات، والجبال، في الليل والنهار، لتنقل الرسائل والطعام والماء إلى إخوتها الرابضين مع الثوار في تلك الأماكن.. كانت أشجع من الرجال…
ثم، انظري إلى مقبرة “الصفحة “..هناك دفنت إحدى البطلات اللاتي كن ينشدن الأناشيد الحماسية، ويسقين الثوار، ويزغردن لهم، ليشددن من عزيمتهم على رد العدوان.. هناك ترقد بطلة من وادي العيون، كانت تصيح بالبوارج الحربية الفرنسية، التي تقصف من البحر.. تدق على صدرها، وتتحداهم أن يقتلوا روح هذه الأمة الأبية :
-اضربوا.. اضربوا.. اضربوا…
فارتقت شهيدة، هي وأبوها.. ودفنا مكان استشهادهما…
-آه… ياجدي.. يالها من أيام..!!
فقد استطاع جدي “الشيخ مجيد ” ورفيقاه، أن يفاجئوا “رسّاك ” ويصدّوا الحملة الفرنسية، ويقتلوا العديد من الجنود الفرنسيين المُعتدين، ويُلاحِقوا البقيّة.. إلى أن استطاعوا أسرَ العديدِ منهم، رغم مُحاوَلاتهم الإختفاء عن أعينِ الثوار، بين الأهالي، مُعتمِدين على دَعمِ بعضِ ضِعافِ النفوس…
-المهم، يا جدي.. لأكمِل لكِ…
كان أخي “مَجيد ” والأسرة كلها، في حالةٍ لا يُحسَدون عليها.. فقد أخذ على عاتقهِ حِماية ورعاية زوجة أخيه “علي ” وابنتها.. وزوجة أخيه “محمد ” وابنتيها، وابنها.. تعَهّدَ الأسرتين بالرعاية والحِماية.. وزوّجَ “حليمة ” من ابن عمها “زكريا “.. كانت شابة جميلة وذكية.. وكان شاباً خلوقاً جداً، لكنه ضعيف البُنية.. واختارت كل من ابنتيّ أخيه “سعيدة ” و “فضيلة ” زوجَين على ذوق كل منهما.. لكن الأم اختارت أن تبقى في بيت جدك، وتحت حِمايته.. وكانَ بيتُ جدك، مايزالُ مِحَجّةً لكلِّ طالِبِ حاجَة، ولكلِّ وطنيٍّ حُرّ، من كلِّ الطوائفِ والإنتماءات… كانوا يثقون بهِ ثقةً مُطلَقة.. فهوَ وحدَهُ الباقي من عائلتنا التي توارَثَتْ سِلكَ القضاءِ غير الرّسميّ، والدفاعَ عن حقوقِ المَظلومين.. فكانَ ينالُ ثقةَ الظالِمِ والمَظلوم على حَدٍّ سَواء.. اسألي كلّ مَن عاصَرَهم…
-ومَن لم يُعاصِرهم، فقد سَمعَ عنهم من آبائهِ وأجدادِهِ، يا جَدّي.. لا تخَفْ على الحَق.. فصاحِبُ الحَقِّ سُلطان، كما يقولون.. ونورُ الشمسِ، لا يستطيعُ أحدٌ أن يحجبه بغِربال.. فبعدَ وفاةِ جَدّي، ظلّت “أم أحمد ” العجوز الأرملة التي التجأتْ، يوماً، إليهِ، ليحميَها وليُنصِفها من “بيت أمين ” أقارِبِها ذوي النفوذ العَشائريّ، والذين كانَ لهم باعٌ طويلٌ في التجَسُّسِ لصالِحِ الفرنسيين، عندما تقاطَعَتْ مَصالِحُهم الخاصّة، معهم.. كانت تبكي بمَرارةِ مَن فقدَ كلّ أمَلٍ في الحياة، وتتمَرّغ فوق تُربَتِه، تأخذ “كَمْشَةَ ” تراب
- الرئيسية
- ثقافة
- يتابع موقع بانوراما طرطوس نشر رواية( نبضُ الجذور) للأديبة فاطمة صالح صالح- الجزء التاسع
يتابع موقع بانوراما طرطوس نشر رواية( نبضُ الجذور) للأديبة فاطمة صالح صالح- الجزء التاسع
- نشرت بتاريخ :
- 2016-02-23
- 12:29 ص
Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print
إقرأ أيضامقالات مشابهة
تابعونا على فيس بوك