لا تزال اللحوم الحمراء غائبة عن موائد معظم السوريين بسبب الارتفاع الكبير وغير المسبوق لأسعارها والتي لا تتناسب مطلقاً مع مستوى دخل المواطن العادي.. حيث يصل سعر الكيلو من لحم الغنم البلدي او ما يعرف بالعواس إلى أكثر من 7500 ليرة، في حين يتجاوز سعر الخروف الحي الـ 100 ألف ليرة وهو رقم قياسي جديد وأمر يدعو للاستغراب والتشكيك بجدوى الإجراءات المتخذة من قبل الجهات العامة المعنية بهذا الأمر..
المعطيات المتوفرة على أرض الواقع تؤكد أن لا شيء يبرر هذا الارتفاع الكبير.. بل يجب أن يحدث العكس أي انخفاض، ومن أهم هذه المعطيات: استمرار سريان مفعول قرار منع التصدير، وثانياً انخفاض أسعار الأعلاف، وثالثاً توفر المراعي الطبيعية وبالتالي انخفاض تكلفة التربية…. فما الذي يبرر الارتفاع إذاً؟!!… من الواضح والمؤكد أن التهريب إلى خارج القطر هو السبب بلا شك.. حيث تشير المعلومات المتوفرة إلى نشاط كبير لحركة التهريب إلى كل من لبنان وتركيا وربما من طرق أخرى في ظل تهاون او تقاعس الجهات المعنية في ضبط عمليات التهريب..
وزارة الزراعة قامت بواجبها عبر جوابها بـ”التريث “على كتاب وجهته إليها وزارة الاقتصاد للموافقة على استئناف تصدير أغنام العواس بناء على رغبة عدد من التجار والمصدرين.. ولكن يبدو أن موافقتها أو عدم موافقتها أمر سيان بالنسبة للنتيجة النهائية لحالة السوق الراهنة في ظل استمرار استنزاف الثروة الحيوانية وبالأخص الأغنام والأبقار عن طريق التهريب، الأمر الذي يتسبب بفوات منفعة اقتصادية كبيرة على البلد لعدم تحصيل بدلات رسوم التصدير أولاً كونه يتم بطريقة غير شرعية، وثانياً من خلال الآثار السلبية الناتجة عن هذا التهريب عبر الاستنزاف وإحداث خلل في السوق المحلية والتسبب بالارتفاع الكبير في الأسعار الذي نتحدث عنه..
من المعروف أن لحم الغنم البلدي او العواس الذي تشتهر به سورية يتمتع بمزايا غذائية وذو مذاق لذيذ ومحبب يميزه عن باقي أنواع الأغنام في العالم، وهو مطلوب بشكل كبير في الأسواق الخارجية وخصوصاً دول الخليج العربي.. ولذلك تنشط عمليات التصدير والتهريب للاستفادة من فروقات الأسعار.. وحاولت الحكومات المتعاقبة إيجاد نوعاً من التوازن من خلال السماح بتصدير “العواس” وبنفس الوقت السماح باستيراد اللحوم أو بعض أصناف الأغنام العادية المنخفضة السعر، ولكن يبدو اليوم أن هناك خللاً في هذا “التوازن” عبر توقف الاستيراد أو تراجعه في مقابل زيادة التصدير والتهريب.. وفي كلتا الحالتين هناك شريحة كبيرة متضررة.. ويبقى التأكيد على حق المواطن السوري بأن ينعم بهذه الثروة ومن واجب الدولة إدارة هذا الملف بطريقة عادلة ومتوازنة تأخذ بعين الاعتبار مصلحة المربي والمستهلك بالدرجة الأولى..