وجد أحد الخبراء في تساؤلنا له ذات مرة: “هل هناك جهة مخوّلة محاسبة الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش؟ أم أن استقلاليتها تحول دون ذلك، ما يفتح المجال لأصحاب النفوس الضعيفة لاستغلال هذا الأمر؟”، نوعاً من الاتهام المبطّن لمفتشي الهيئة، لأن الهيئة -من وجهة نظره- لم تُحدَثْ فقط من أجل مكافحة الفساد التي تعدّ إحدى مهامها، وإنما من أجل القيام برقابة قانونية واقتصادية فعّالة على الأداء الحكومي ومحاسبة الأخطاء والانحرافات في الأمور المالية، وتطوير العمل الإداري ورفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطن، وتطوير المرافق العامة، إلى جانب حماية المال العام التي هي بالأساس من اختصاص الجهاز المركزي للرقابة المالية..!.
ويبيّن واقع الحال، وبشهادات عدد من الخبراء، أن الهيئة ورغم ما تقوم به من جهود لم تكن ناجحة في مكافحة الفساد، وذلك لأسباب تتعلق –من وجهة نظر بعضهم- بآليات عملها وارتباطها برئاسة مجلس الوزراء، والأهم من ذلك أن الهيئة تركت كل أهدافها الإدارية واتجهت نحو الرقابة المالية الموكلة بالأصل إلى الجهاز.. وبالتالي لم تستطع تحقيق الغاية المرجوة من هذه الرقابة، فكل هذه الأمور مجتمعة حالت دون تحقيق الأهداف المرجوة من عمل الهيئة، مع الإشارة إلى أن موظفيها كسائر موظفي أية جهة حكومية، منهم..، ومنهم..، وكذلك الأمر بالنسبة للجهاز المركزي للرقابة المالية..!.
يمكن القول: إن تداخل عمل كل من الهيئة والجهاز أحدث فوضى بسير العملية الرقابية، فكل منهما يحاسب ويفتش ويحيل إلى القضاء، ورغم هذا نجد تفشياً واضحاً للفساد في إداراتنا الحكومية، ما يستوجب إعادة النظر بكل آليات عمل رقابتنا وهيكلتها ضمن جهاز واحد تفادياً للتداخل بالعمل، يقوم بكل المهام الرقابية اللازمة، شريطة أن يكون مدعماً بكادر مؤهّل على مستوى عالٍ، ويتمتع باستقلالية حقيقية كاملة.
ولعل أبرز المآخذ على عمل الهيئة يكمن في إحجامها عن نشر تقارير دورية توضح بها مستوى أدائها السنوي، فتقصيرها بهذا الجانب يعطي مؤشراً على تخوّفها لأسباب غير معلومة من أن تكون متاحة لمن يود الاطلاع عليها.. وإلا فلماذا تتحفظ عليها “إن وجدت”؟ مع الإشارة هنا إلى أنه يمكن تقييم عمل الهيئة من خلال هذه التقارير التي تتضمن نتائج أعمالها الرقابية على مدار عام كامل، وذلك عبر تشخيص أداء المؤسسات والوزارات وجميع المفاصل الحكومية، وبالتالي تعكس هذه التقارير حقيقة عمل الهيئة وإنجازاتها، وبناءً عليه يمكن اكتشاف الأخطاء والتجاوزات وتقويم سيرورة عمل إداراتنا الحكومية، فالتقرير بمنزلة البوصلة التي تحدّد مسار القرارات الحكومية.
بالعودة إلى استحقاق متابعة عمل مفتشي الهيئة والجهة المخوّلة هذا الأمر، وخاصة أنهم على تماسٍ مباشر مع ملفات الفساد، نبيّن أن قانون إحداث الهيئة، رقم 24، لعام 1981 ينظّم مختلف جوانب عمل الهيئة واحتمالات التقصير فيه ومعالجته، وبالتالي فإن المشكلة لا تكمن بالقوانين والأنظمة النافذة وإنما في تطبيقها، ويفترض من جميع جهاتنا الحكومية تطبيقها بالشكل الأمثل..!.
حسن نابلسي