واقع الأسواق عموماً لا يسر الخاطر، وتتعدد المخالفات فيه، وخصوصاً في سوق المنتجات الغذائية، وبشكل لافت مع كل طفرة سعرية من طفرات أسعار السوق السوداء التي باتت تنهش النقد، والمدخرات، وبالسعر الذي يحلو لها، وفي خضم هذه الفوضى كثرت حالات التلاعب بالجودة وكمية المنتج، أي أن المستهلك بات يعاني مرتين!.
مظاهر مختلفة
عند لقائنا مع عدد من المواطنين في الأسواق، اشتكى معظمهم من تغيير قد طرأ على المنتجات الغذائية من حيث تصغير شكل العبوة، وخاصة عبوات الجبن الدهن، وتغيير نوعية المكونات بعد نسيانها بالتدريج، وكأنها باتت من الكماليات، فبعد أن كانت عبوة الحلاوة الطحينية تحوي الزيوت والسكر والطحينية والمكسرات، أصبحت تحوي فقط كمية قليلة من الطحينية مع مواد تشبه القطر، وفي الوقت نفسه تتباهى وزارة التجارة الداخلية كعادتها بضبط الأسعار، ولكن السؤال هنا: حتى لو فعلاً تم ضبط السعر، هل حقاً هذا هو الإنجاز في ظل غياب الجودة؟.
بسكويت الأطفال، والشيبس، وغيرهما من تسالي الأطفال حققت زيادة مقدارها 300 – 400% عن سعره منذ بداية هذا العام، وقد سلمنا بهذا الشيء كنتيجة طبيعية للتضخم الذي ضرب ويضرب أسواقنا، لكن المستغرب هو نقص الحجم، والكمية بالرغم من رفع السعر، وفوق ذلك كله للأسف فقد خلت تلك المنتجات من الحد الأدنى المقبول من النكهة، واللون، والطعم، وأضحت أشبه بنشارة الخشب، فما هو تفسير ذلك؟.
زيت الزيتون أصبح سعر الغالون الواحد من 120 ألف ل.س إلى 170 ألف ل.س، ورغم الانتقادات الموجهة للمنتج فقد سلمنا بأن الفلاح يضع تكاليف، ومن حقه رفع السعر تماشياً مع متطلباته المعيشية، ولكن أن يتضمن الغالون الواحد 17 ليتراً من زيت الصويا فذلك كارثة، وبالنسبة لمحلات الطعام كالمعجنات، والسندويش، سواء كانت شرقية أو غربية، نلاحظ فئتين من تلك المحلات، فئة تحاول عدم رفع السعر، فعلى سبيل المثال يبيعون قرص الفطائر بسعر 100 – 150 ل.س، أو قطعة الكرواسان بسعر 300 ل.س، وفئة ثانية زادت السعر، على سبيل المثال يبيعون قرص الفطائر بسعر 250 ل.س، أو الكرواسان بسعر 600 ل.س، وهم غالباً بعيدون عن الشوارع الرئيسية، ويختبئون في الأزقة التي قلما تصلها دوريات حماية المستهلك، ولكن المشكلة تكمن في أن الفئة الأولى استخدمت مواد رديئة كاستبدال الجبنة بالقريشة، وتخفيض وزن الحشوة، وتصغير حجم السلعة على حساب السعر، بينما الفئة الثانية استفادت من بحبوحة سعرها المرتفع في رفع جودة المنتج، وحجم السلعة، ونتساءل هنا: أيهما أفضل أن تشتري من الفئة الأولى، أم الثانية، أم أن الفئة الأولى يفترض أن تتبع جودة الثانية، والثانية يجب أن تتبع سعر الأولى؟ وما هو دور وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في التوفيق بين الحالتين؟.
أما الألبان فحدث ولا حرج، ففي أبسط المواد كاللبن، النشاء يملأ العبوات، وبطعم ظاهر، ووزن العبوات نحو الانخفاض، فهي ليست 1 كغ، والسعر تخطى حاجز الـ 1100 ل.س للكيلوغرام الواحد، وطبعاً عند سؤالنا لأصحاب تلك المحال يكون الرد بأن أسعار المواد ترتفع بشكل جنوني، ويجدون الصعوبة في تأمين حوامل الطاقة، وأنهم واقعون بين نار التاجر، ونار الرقابة، ونار انخفاض مبيعاتهم.
لا توجد فواتير
مالك دياب عيسى، تاجر ألبسة، طرطوس، اشتكى عدم تفهم عناصر دوريات مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في طرطوس لأسباب عدم حيازته فواتير نظامية لبضاعته رغم أن سبب المخالفة هو امتناع تجار الجملة، وخاصة في دمشق، عن تسليمه فواتير بالبضائع، في حين تلك الدوريات لا تلاحق المنتج، أو تاجر الجملة، وتكتفي بملاحقة تاجر المفرق، وتحميله المخالفة لوحده، وتساءل عيسى: هل الفاتورة تفرض على الجميع؟ وهل سمعنا يوماً أنه تمت مخالفة تجار المفرق في الزبلطاني، أو شارع الحمراء في دمشق بسبب عدم امتلاكهم لفواتير؟ ولماذا المنتج وبائع الجملة والمستورد محميون وخارج المطالبة بالفاتورة؟!.
وتابع: قبل الأزمة كان جميع المنتجين يسلّمون الفواتير لتجار المفرق، ولكن بعد تذبذبات سعر الصرف أصبح المستورد هو من يحدد أسعاره بحسب السوق السوداء، وبالتالي أصبح المنتج وتاجر الجملة يبيعان وفق هذه الأسعار المتغيرة، وبشكل غير ثابت، وعندها اختفت الفاتورة النظامية، وهذه كارثة، فالمخالفة عند كتابة الضبط 300 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ ليس بقليل، ومن غير المنصف تحميل المسؤولية فقط لتاجر المفرق!.
تحت السيطرة
فيما يتعلق بتراجع جودة الألبان بيّن علي الخطيب مدير حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن كافة الأسواق مع المواد التي تطرح فيها سواء كانت غذائية أو غيرها تخضع لرقابة دوريات حماية المستهلك لجهة الأسعار، ومطابقتها للمواصفات القياسية السورية حتى يتم اعتبارها نظامية، وفي حال الاشتباه بوجود مخالفة ضمن أية مادة يتم سحب عينات منها وتحليلها، وفي حال ثبوت المخالفة يتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين أصولاً سواء كانوا منتجين، أو تجار جملة، أو مفرق.
أما بالنسبة لتراجع جودة المواد الغذائية المصنعة والمعبأة فقد نوّه الخطيب إلى أن أي منتج غذائي أو غير غذائي يجب أن تتوفر فيه المواصفات من حيث مطابقة الوزن، والجودة، والسعر المحدد له، وجميع تلك الأمور مذكورة بدقة ضمن بطاقة البيان الخاصة بكل منتج، ويتم التحقق من ذلك عبر دوريات حماية المستهلك من خلال سحب عينات من أية بضائع يشتبه بمخالفتها للوزن، أو المواصفات، أو عدم صلاحيتها للاستهلاك البشري، وبعد التحليل فإن أية مخالفة تعتبر جسيمة، وتتم معالجتها دون أي تساهل، واتخاذ إجراءات رادعة بحق المخالف، وإضافة لذلك فإنه تم التشديد على كافة مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك للتدقيق في الفواتير العائدة لهذه المواد، والتحقق من تداولها بين كافة حلقات الوساطة التجارية، والتحقق من مصدرها الأساسي من خلال الفواتير، أو البيانات الجمركية، وفيما يتعلق بمطاعم الوجبات السريعة فقد أكد الخطيب أن منتجاتها تخضع للرقابة من حيث الجودة، والوزن، والسعر بالآلية السابقة ذاتها، ووفق الإجراءات ذاتها، والعقوبات المذكورة آنفاً.
من جهة أخرى فقد أوضح الخطيب أن كافة أنواع الألبسة تخضع في تداولها للقرارات النافذة بخصوص إلزام المستورد والمنتج بتقديم بيانات التكلفة الحقيقية لكي يتم التحقق منها مباشرة عند الشك بها، أو في حال تقديم أية شكوى بخصوصها، وتخضع للرقابة أيضاً بالآلية ذاتها المذكورة آنفاً في حال وجود غش، أو تدليس، أو بيع بسعر زائد، ويخضع تسعيرها لعدة معايير كنوعية المواد الداخلة في صناعتها، أو تركيبها، ونخبها، ويتم ذلك من خلال لجان مختصة وبمشاركة من الجهات صاحبة العلاقة، لاسيما اتحاد الحرفيين.
أما بالنسبة لحيازة الفاتورة في محلات الألبسة فهي من واجبات البائع، وعليه مطالبة المستورد أو المنتج أو تاجر الجملة بها، وأن يتأكد من أنها نظامية، وفي حال تعذر ذلك على البائع فكل ما عليه هو التصريح عن مصدر البضاعة لتتم ملاحقته، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقه أصولاً.
تحديد المواصفات
محسن حلاق، مدير عام هيئة المواصفات في وزارة الصناعة، أوضح أن مهمة الهيئة حالياً تقتصر على وضع وتحديد المواصفات الواجب اتباعها في المنتجات، وخاصة بعد تدمير معظم المخابر التابعة للهيئة خلال فترة الأحداث، والنظر في معظم المخالفات بات من اختصاص وزارة التجارة الداخلية.
الإحلال هو الحل
أحد صناعيي النسيج والأقمشة، (فضل عدم ذكر اسمه)، نفى امتناع منتجي الألبسة عن تسليم الفواتير لتجار المفرق، فكل مشغل خياطة لا يمكنه تحديد السعر والبيع دون وجود فواتير نظامية، أما بالنسبة للأسعار فحلقات استغلال المواطن تبدأ من تاجر الجملة الذي يحدد الأسعار على هواه، وفي الوقت نفسه يسحب بضاعته من المشاغل بالتقسيط على شهرين، أو ثلاثة، أو يدفع ثمنها “كاش”، ولكن بسعر قليل جداً، ويضيف ذلك على أرباحه التي تقدر بنسبة 15%، ومن ثم يأتي أيضاً تاجر المفرق الذي يضيف أي تذبذب في أسعار السوق السوداء على أرباحه التي تقدر لوحدها بنسبة 45%، والحل يكمن في تطبيق إحلال بدائل المستوردات، ووقف التهريب، وإيقاف سيطرة المهربين والمستوردين على الأسواق، والمتذرعين منهم بأن الاستيراد ضرورة ليتمكنوا من تصدير مواد ذات جودة عالية، فهذه المظاهر منذ بداية الأزمة تؤدي لتدمير الصناعات الوطنية التي كلّفت القطاعين العام والخاص مبالغ تقدر بالمليارات، وتشجع المنتجات التركية، وهذه كارثة يجب وقفها، كما أن معظم تجار الماركات باتوا يرفعون أسعار الألبسة بصورة إضافية، ودون أي خجل تحسباً لتذبذبات أسعار صرف العملات في السوق السوداء لمدة أسبوعين قادمين، ويحسبون أسعارهم أساساً وفق تلك السوق.
هل من حل؟
المواطن ملّ من كثرة الانتقاد، وفي الوقت نفسه لا يعلم ما الحل، فالتجارة الداخلية تنصحه بالتحلي بثقافة الشكوى، والبائع يتباكى أمامه ملقياً باللائمة على التاجر، والتاجر يختبئ خلف الكواليس البعيدة، وحتى اللحظة مازالت الحلقة مفقودة؟!.
بشار محي الدين المحمد