دمشق- قسيم دحدل
من جملة المفارقات المؤلمة التي يعاني منها الأطفال والمرضى، خاصة، أنه في وقت يتوقعون مواجهة مشكلة مزمنة ومعالجتها، كمشكلة فقدان مادة الحليب والدواء من الصيدليات واحتكاره بهدف الضغط باتجاه رفع أسعاره، وتكرار هذا الفعل المستفز غير الإنساني والأخلاقي عدة مرات في العام الواحد، يجد السوريون أنفسهم أمام خبر يتناول نشاطاً وعملاً خارج السياق تماماً من قبل وزارة الصحة، والأنكى أن يكون الخبر معنوناً بـ “حملة لتعزيز الوعي الصحي”؟!.
وقبل الانتقال لما نريد تسليط الضوء عليه، إليكم الغريب المستفز فيما أعلنته وزارة الصحة. يقول الخبر في تفاصيله إنه “وبهدف تعزيز الوعي الصحي لدى أفراد المجتمع، ولمعرفة نسب ومعدلات ارتفاع الضغط الشرياني، تطلق وزارة الصحة الحملة الوطنية لفحص ضغط الدم تحت شعار (من أجل كل نبضة قلب)، وذلك من الـ 1 إلى الـ 31 من آب في مختلف المحافظات. الحملة تنفذ عبر 874 مركزاً صحياً و399 فريقاً جوالاً، ويشارك فيها أكثر من 8500 عنصر صحي، وتستهدف جميع المواطنين من عمر 18 سنة وما فوق، وهدفها الأساسي تعزيز الصحة العامة من خلال تحسين المؤشرات الصحية، وأهمية اتباع نمط حياة صحي للوقاية من الأمراض”.
ما سلف يثير العديد من التساؤلات التي يجب أن تحرج الوزارة نفسها، ليس أولها: ما هي حقيقة هذه الحملة؟ وإلى ماذا ستقودنا معرفة نسبة ارتفاع الضغط الشرياني عند السوريين؟!، وهل ما طُرح من أهداف للحملة سيؤدي فعلاً لـ “تحسين المؤشرات الصحية، وأهمية اتباع نمط حياة صحي للوقاية من الأمراض”؟ والأهم من هذا وذاك” كيف سيتمّ المراد؟! وهل يمتلك قطاعنا الصحي القدرة المادية والبشرية لتحقيق ذلك.. إلخ؟!
نتساءل، كما تساءل العديد من أصحاب الصيدليات الذين استطلعنا آراءهم، في ظل الامتناع المُتعمَّد – وعن سابق إصرار وتصميم – من قبل مصنّعي الدواء وأصحاب مستودعات تخزينه وتسويقه، عن تغذية السوق باحتياجاتها الدوائية، وبالتالي حرمان السوريين من التداوي الضروري جداً للكثير من الحالات الحرجة، وخاصة الأمراض المزمنة كارتفاع الضغط الشرياني وأمراض القلب والسكر.. وغيرها!!
كذلك نتساءل: كيف ستستطيع وزارة الصحة تعزيز الصحة العامة، والأوضاع المعيشية والاقتصادية والنفسية للنسبة العظمى من السوريين، في أسوأ حالاتها، حيث مستويات سوء التغذية بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار توازياً مع التدني الشديد في القدرة الشرائية وصلت إلى الحدود الحرجة ما يهدّد الصحة العامة.
باعتقادنا، كان على الوزارة وبدلاً من اللجوء لمثل هكذا حملات لا نعرف مراميها، ونعتبرها “فذلكة صحية”، أن توفر الدواء وتقضي على الداء الحقيقي بوضعها حداً لعمليات وأساليب الاحتكار التي يمارسها مصنّعو الدواء ومسوقوه، في كل مرة يريدون فيه الضغط عليها لابتزاز موافقتها على رفع الأسعار بين الفينة والأخرى، حيث تنصاع المذكورة راضية مرضية آخر المطاف!.
وبرأينا، إذا ما استمرّ هذا الأسلوب الاحتكاري الذي يؤدي لتجفيف سوق الدواء من متطلباته الضرورية، فيجب أن يتمّ إصدار تشريع يجرم مرتكبيه ويعاقبهم بأشد العقوبات، حيث إن معالجة وإنقاذ العديد من الحالات المرضية الحرجة – ولا نبالغ – يتوقف على حبة دواء.. فهل تتوجّه الوزارة الوجهة الصحيحة البعيدة عن حملات لا طائل منها سوى إهدار المال العام في غير محله؟!
بانوراما سورية-البعث