هربوا.. بعد أن أشبَعوني ضرباً، وشَتماً، وسباً.. وأنا وحيدٌ، أعزَل..
وعندما عُدتُ إلى بيتي، ورآني إخوتي على هذه الحال، قالوا لي :
– ألم نقلْ لكَ، لا تعلَقْ مع ناسٍ من هذا النوع..؟!
كنتُ أغلي من قهري، وإحساسي بالذلِّ والمَهانة :
– ليس أنا مَن يسكتُ على ضَيمٍ، يا إخوَتي.. سأنتقِم لحَقي، وكرامتي، فهَلاّ تؤازروني..؟!
– لا تعْلَقْ معهم.. سنشكوهم إلى المختار..
– إذاً، ستتخلّون عني وقتَ الشدّة..؟!
لم أنمْ تلك الليلة…
وفي الصباح، ذهبت بمفردي، حامِلاً عصايَ، وقهراً مُضاعَفاً، ودِماءً تغلي، طالبةً الإنتقام..
لكنّ الأنذالَ، كانوا قد توَقعوا انتقامي، فاستعَدّوا لمواجهتي، بقوةٍ، وعددٍ أكبر من الأوّل.. وأنا بمُفرَدي.. فانهالوا عليّ ضرباً، وشَتماً، حتى كادوا يقتلونني..نتَفوا لحيتي، التي كنت أعتزّ بها، كعربيّ مُسلم.. ولم أستطع النيلَ منهم، إلاّ الشيء اليسير، مما زاد من شعوري بالذلّ، والهَوانِ، والقهر من إخوتي الذين تقاعَسوا عن نصرتي وقت الشدّة، مُدّعين أنهم سيتبعون الطرق القانونية…
( سنشكوهم إلى المختار…)…
وماذا سيقعل المختار..؟!
هل أنتظر أن يحلّ المُختار محَلّ ردّ فعليَ الطبيعيّ، الفِطريّ، للدفاعِ عن نفسي، وحقوقي،وكَرامتي..؟!
هل يجوز ذلك.. وأنتم تعرفون ” عَدالةَ ” ذلكَ المختار الذي سَلّطته علينا الحكومةُ العثمانية..؟!
-آه.. يا جدي.. ذكّرتني بحالِنا اليوم.. نكَأتَ جراحي التي لم، ولن تندمِلَ، أبداً.. فأعمق الجراح، تلك التي يُحدِثها الأحبة.. ولا أظنها تندَمِل…
-تعبتُ، يا جدي.. دَعيني أسترِح قليلاً، قبل أن أتابع التذكّر.. فأنا، حتى الآن، وبعد كل هذه السنوات التي مضت على مغادرَتي دنياكم، ما تزال تُدمي قلبي بعضُ الذكريات.. وهذه من أكثرِها إيلاماً..
وعاد الرجلُ ليستريحَ على ذلك المقعد.. أو أنهُ توَسّدَ ذراعَ زوجته،ونامَ قليلاً، قبل أن يستيقظَ، ويتابع :
-أظنكِ الآن عرفتِ أسبابَ حزني، يا جَدي..
-معكَ حق يا جدي.. أنا التي أعرف.. الغربةُ في الوطن.. الغربةُ بين الأهل، هي أقسى أنواعِ الغربة.. وأنا أعذركَ جداً.. فأكمِلْ حَديثك، لو سمحت..
- الرئيسية
- ثقافة
- يتابع موقع بانوراما طرطوس نشر رواية( نبضُ الجذور) للأديبة فاطمة صالح صالح- الجزء الرابع
يتابع موقع بانوراما طرطوس نشر رواية( نبضُ الجذور) للأديبة فاطمة صالح صالح- الجزء الرابع
- نشرت بتاريخ :
- 2016-02-17
- 5:07 م
Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print
تابعونا على فيس بوك