تخفيها عن أعينِ الشامِتين.. تضعها في زجاجةٍ، تملؤها بالماءِ النظيف، وتشرب كلّ صباح، وتسقي منها أبناءها الذين ( تَيَتّموا مَرّتين ) كما كانت تندبُ، تحت سِياطِ شَماتةِ وتهديدِ أقاربها الذين قالوا لها :
-أين؟ أين تذهبينَ الآن، أيتها الشمطاء..؟؟ لقد مات.. مات.. وشَبِعَ مَوتاً، مَن كانَ يحميكِ….!!!
عُمِّرَتْ “أم أحمد ” إلى مافوقَ التسعين، ولم تنسَ، يوماً، فضائلَ “الشيخ مَجيد ” وزوجتِهِ الحَنونة “أم عادِل “…
كانت تبكي كلما رأت أيّ شخصٍ من عائلتِنا، وتقولُ، بصَوتٍ خفيضٍ، خوفاً من أن يسمعها أحدٌ من عائلة “بيت أمين ” الذي لم يكنْ- يوماً – حريصاً، سوى على مَصالِحِهِ الخاصّة :
-(أله_ يرحم تراب اللي نزل عليك، يا شيخ مَجيد )…
تضمّنا وتبكي، وهي تتلفّتُ حَولَها، خوفاً من أحدٍ ما :
-(إبن الأصل، بيضلّ إبن أصل، يا بَيّي… اللّي جَرى لهالقَرعَة، ما حَدا بيعرفو، بعد أله ، غير جدّكن، وستّكن…. الدنب الأعوَج عمرو مابيصير مقَوّم، حتى لو حَطّوه بالقالب ميّة سنة… أله_ يحميكن، يا بَيّي.. ألهَ يرحَم أصلكن..)
إنني أتشرّفُ بانتمائي إليكم، يا أسلافي.. أيها الشرَفاء العادلونَ الشجعان…
-لكن، يا ابنتي، لا يكفي أن نكونَ شجعاناً، كي نستطيعَ الدفاعَ عن حقوقِ أهلِنا، وأوطانِنا، في الحياةِ الحُرّةِ الكريمة… لا بُدّ من سلاحٍ مادّيٍّ قويّ، يدعَمُ الأسلحةَ المعنويةَ، ويحميها…
-لا تقلْ ذلك، يا جَدّي.. ففي هذا الزمان، يعتبرونكَ “إرهابياً “… كيف تطلبُ قوّةَ السلاح، إلى جانبِ قوّةِ الحَقِّ، والشجاعةِ، للدفاعِ عن النفسِ، والأهلِ، والوطن..؟!! في هذا الزمان، رأسُكَ، ورأسُ أمثالِكَ، هو المَطلوبُ الأوّلُ من قِبَلِ الغزاةِ، يا جَدّي….
” يبتسِمُ الشيخُ، ويهزّ رأسَهُ، ساخِراً.. ”
-أحمدُ اهَ_ أنني مِتُّ من زمان…
-وتضحكُ، أيضاً، يا جدي..؟!
-“شَرُّ البَليّةِ، ما يُضحِك..”
-أرجوكَ أن تُكمل، أيها العجوزُ الرائع…
– أحبَبتُ أن أخبرَكِ عن حالةِ جَدّك، والعائلة، والوطن، كي تفهَمي السببَ فيما سأرويهِ لكِ، لاحِقاً..
- الرئيسية
- ثقافة
- يتابع موقع بانوراما طرطوس نشر رواية( نبضُ الجذور) للأديبة فاطمة صالح صالح- الجزء العاشر
يتابع موقع بانوراما طرطوس نشر رواية( نبضُ الجذور) للأديبة فاطمة صالح صالح- الجزء العاشر
- نشرت بتاريخ :
- 2016-02-23
- 7:17 م
Facebook
Twitter
Telegram
WhatsApp
Print
تابعونا على فيس بوك