ثمة ظاهرة في الدراما السورية بدأت تتجلى، نتمنى أن لا تتمدد، وتنحسر قريباً، دون أن تترك آثاراً سلبية على جسد هذه الدراما، خوفاً عليها من أمراض أخرى تزيد من عناصر ضعف مناعتها، ألا وهي حضور المخرج التلفزيوني كاتباً! وكأنه لا يكفينا ما حل بفن السينما من وراء “سينما المخرج المؤلف” من كوارث التي أظهرت لنا عقد وحكايات مراهقة بعض المخرجين، ظناً منهم أنهم لو قالوا مرحبا لبنت الجيران في يوم ما، أنها تصلح مقوماُ فكرياً ليعالج بسيناريو فيلم يكتبونه، ليتم الإنفاق عليه من مال القطاع العام! وكلامنا لا يقصد كل تجارب “سينما المخرج المؤلف” فهذا تيار فني قدّم في العديد من البلدان نماذج متقنة، لكننا في سورية قد غالينا في إنتاج أفلام هذا التيار الذي لم يعط سوى ثمار قليلة تستحق التقدير.
نزوة درامية
هذه الظاهرة التي بدأت تتمظهر في أعمال بعض المخرجين التلفزيونيين، لم يرتكبها مخرجون كباراً قدموا لنا أهم الأعمال الدرامية، إذ احترموا جهد الآخرين وأعطوا لكل صاحب اختصاص دوره، وهذا ما جعل أعمالهم متقنة، وفي نظر الكثيرين نقاد وصحفيين وصناع دراما، كلاسيكية المكانة والقيمة، ولذلك يفترض من المخرجين الذين يحاولون تقليد مخرجي السينما أن يعتبروا خطوتهم “نزوة درامية” ولا يخطونها درباً مهنياً لهم، إن كانوا يعتقدون بضرورة الوفاء لزوجتهم الفنية الأولى وعدم خيانتها. وقد بدأت هذه الظاهرة مع هذا الموسم مع ثلاثة مخرجين، وربما ثمة أسماء أخرى لم يتسن لنا متابعة أعمالهم، وفي مقدمة هؤلاء المخرجين الفنان “فادي سليم” الذي يعيد التجربة بعد أن خاضها السنة الماضية بالاشتراك مع الكاتب شادي كيوان، دون أن تكون تجربته ناجحة، فقد سبق وتابعنا التجربة كسداسيات حملت اسم “عن الهوى والجوى” وكتبنا عن بعضها. كما حضر اسم الممثل مهند قطيش الذي يقدم في هذا الموسم تجربته الإخراجية الثانية عبر مسلسل “هواجس عابرة”، فقد أشارت شارة المسلسل إلى مشاركته لـ “حسن مصطفى” كتابة المسلسل، كما كتب المخرج تامر إسحاق، إحدى لوحات الحلقة الرابعة من مسلسل بـ ” بساطة” وربما سنشاهد له لوحات أخرى كتبها فيما تبقى من المسلسل.
سخرية مُستهجنة
وأول ما يلفت النظر هو سخرية المخرج تامر إسحاق من دراما البيئة الشامية في اللوحة التي حملت توقيعه بعنوان “العَلاَمَة يامو” والتي حفلت بجملة أفعال عن شخصية (جسدها أحمد الأحمد) لم تعرف من أبوها ولا من شقيقها ولا من شقيقتها، كلما أرادت أن تتزوج من فتاة، فتظهر إما أنها شقيقته، أو أن أم الفتاة الثانية هي أمه، وأن التي تربى في كنفها ليست أمه، ليسحب خنجره ليرتكب جريمة قتل فينبهه المخرج إلى أن طريقة سحبه للخنجر ليست مقنعة، فتعلق الشخصية بـاستغراب مخاطبة المرأة التي كان واهماً أنها أمه (جسدتها وفاء موصللي): كل ما حدث وقلناه كان مقنعاً، وفقط هذه الحركة لم تقنعه له!! ولا يستطيع المشاهد المتابع إلاّ أن يستهجن سخرية المخرج إسحاق، لأنه سبق وأن أخرج أكثر من عمل ينتمي لما اصطلح على تسميته بـ دراما “البيئة الشامية”، فأين كان موقفه من تلك الدراما، ومعظم ما أنتج من هذه الدراما غير مقنع وملفق ولن يستبقي الزمن منها أكثر من بضع حلقات؟!
فقاعات صابون
ولا شيء مجشعاً في مسلسل “هواجس عابرة” ولا جديد أيضاً فموضوعة الغيرة بين الأزواج سبق وأن تمت معالجتها بجزئين من مسلسل “جميل وهناء” بطولة الفنان أيمن زيدان ونورمان أسعد، تأليف د. زياد الريس، أخرج الجزء الأول هشام شربتجي وأخرج الثاني الراحل محمد شيخ نجيب، ونال نصيبه من النقد اللاذع في حينه. فموضوعة الغيرة لا تحتمل مسلسلاً بكامله، إن لم تكن فقط خطاً درامياً واحداً من جملة الخطوط الدرامية التي يجب أن يقدمها أي عمل، ولذلك تبدو الملامح الكوميدية التي يتوهم المخرج الكاتب قطيش أنها ستكون شفيعاً له عند المشاهدين غير كافية، فالكوميديا إن لم تكن انتقادية لقضايا مصيرية في حياة المشاهدين لن يكترثوا بها، لأنها ستأتي كفقاعات الصابون. وفي ظل ذلك يفقد المسلسل عناصر التشويق التي تحفزنا على مشاهدته، ولعل ما سيعرض بعد الحلقة السادسة يجعلنا نتحفّز على المتابعة، إذ أن المكان الذي تجري فيه الأحداث لافت للنظر لكن وحده لا يشكل خيوط جذب للمشاهدين.
واختار المخرج فادي سليم، الكاتب شادي كيوان شريكاً له، وفق بدء شارة مسلسل “مقابلة مع السيد آدم”، وهو من النوع البوليسي الذي يجذب عادة شريحة واسعة من المشاهدين، لكن اللافت للنظر أن تُختتم الشارة بـ تأليف وإخراج فادي سليم! وربما هذا شأن يخص شريكه في الكتابة، أمّا ما يعنينا أن المسلسل لا يقدم ما هو جديد في النوع المختار، بدءاً من رسم شخصية المحقق ” ورد/ محمد الأحمد”، فهي ذاتها نراها في كل المسلسلات، المحقق المنغمس بعمله، وأحياناً دون مسوغات، مهملاً لزوجته وأسرته، ليكون ذلك موضع شجار بينه وبينها، ومصالحات متعددة، ناهيك عن أن المسلسل لم يسلط الضوء على أي مرض اجتماعي، كي يتنبه المشاهدون لئلا تصل بهم الحال إلى ارتكاب جرائم. وكما أن الخيط الدرامي الذي بدأ يتوضح لشخصية الطبيب الاختصاصي بالتشريح الجنائي “غسان مسعود” وضرورة الاستعانة به لكشف ملابسات إحدى الجرائم، تشبه إلى حد كبير ما ورد في مسلسل “العميد” الخبير القانوني في التحقيق الجنائي والذي جسد شخصيته الفنان “تيم حسن”.