الدكتور محمد منير أبو شعر:
تصور أنك تمضي إلى غرفة العمليات الجراحية, وأنت تواجه ألم الجراحة بلا تخدير, ماذا سيكون شعورك ومجموعة من الأطباء والآلات تثبتك على سرير الجراح؟
هذه هي الحالة, لو لم يكن ثمة علم اسمه التخدير, لاشك أن البشرية عرفت التخدير مبكراً, وعرفت النباتات ذات الفاعلية في هذا المجال, لكن من هو صاحب الفضل في اكتشاف التخدير الجراحي؟..
إنه العالم « وليم مورتون» الذي وفق بعد طول البحث والتجربة إلى تفادي مضاعفات التخدير, التي كانت سبب موت المرضى… ولد مورتون سنة 1819, وكان منذ طفولته يعجب بالأطباء ويقلدهم, مؤكداً أنه سيكون طبيباً في المستقبل, وخلال دراسته الثانوية استأجر لنفسه غرفة قرب عيادة أحد الأطباء, فكان يقضي معظم أوقات فراغه في عيادة ذلك الطبيب.
وبما أن حالة والده لم تسمح له بدراسة الطب, التحق بمدرسة طب الأسنان, إذ كانت الدراسة فيها بالمجان, ولاتستغرق سوى عامين, لكنه قرر ألا يستمر في مزاولة مهنة طب الأسنان إلا عندما يحصل على المال الكافي لاتمام دراسته وأبحاثه..
كسب مورتون شهرة واسعة بفضل براعته ونبوغه, حيث استطاع ابتكار وسيلة لتخفيف آلام المرضى أثناء علاجهم, فجرب الأثير وبعض الغازات الأخرى, وتكللت تجاربه بالنجاح.
ثم عكف على ابتكار جهاز التخدير بهذه الطريقة, وفي عام 1846 تمت هذه التجربة في جامعة «هارفاد», حيث أجريت أول جراحة استعمل فيها التخدير بطريقة «مورتون», التي تشبه الطرق المستعملة الآن, وكان لنجاحها صدى عميق في جميع الدوائر العلمية والطبية..
ورغم ماصادفه «مورتون» من نجاح لم تحن له فرصة دراسة الطب, إذ حالت دون ذلك أبحاثه وتجاربه في التخدير, بل حالت أيضاً دون اهتمامه بعيادته الخاصة بطب الأسنان.. وبقي يعاني الإجهاد وقلة الإيراد حتى مات سنة 1868… وخلد اسمه مع كبار العلماء الذين جنبوا البشرية الآلام.