منذ سنوات قليلة كنتُ في باريس للمشاركة في مؤتمرٍ، وكان في البرنامج صلاة مشتركة يتلوها سوية العلماء المسلمون ورجال الدين المسيحي، وبعد تلاوة الصلاة المشتركة رسمتُ إشارة الصليب، فالتفتَ إليّ سماحة “السيّد صالح الحكيم” رحمه الله – وهو من الإخوة المسلمين الشيعة – وقالَ لي بلهجةٍ عراقيةٍ: “أنت مسلم أم مسيحي؟”.
كان له الحقّ بالسؤال، فالأوراق الموزّعة علينا من الجهة الداعية تقول بأنني أمثّل المرجعيات الإسلامية العليا في سورية، وهذا يعني بأنني مسلم.
إبتسمتُ وأجبتُ: “أنا مسيحي سماحة السيّد”. ورأيت بريق الدهشة في عينيه.
وخلال ثلاثة أيام بعد أن تعرّفتُ كنا نأكل سويّة ونتبادل الأحاديث.
وعندما انتهى المؤتمر ورجع كلّ واحدٍ من المشاركين إلى بلدهِ، بقيتُ على تواصلٍ معه، أُرسلُ له التهاني بالأعياد، ومقالاتي، وهو كان يعايدني أيضاً، ويكلّمني، كما أعلمني أنه أنشأ مؤسسة “الإمام الحسين “ع” للحوار وبناء السلام” التابعة للعتبة الحسينية المقدسة، حتى توقّفَ عن مراسلتي منذ أكثر من سنة.
منذ فترة وصلتني “كلمات” على إحدى وسائل التواصل تقول: أنهم أخذو رَقَمي من “السيد صالح” وتحادثتُ، فعرفتُ أنه تُوفي وأوصَى بالإتصال بي، وأن المؤسسة ستقوم بمؤتمرِها السنوي الثاني في مدينة النجف الأشرف بالعراق، متزامناً مع الذكرى السنوية الأولى لوفاة العلامة المؤسس، وأنهم يدعوني للمشاركة والكلام عنه.
وصلتُ إلى النجف وشاركتُ في المؤتمر تحت عنوان “حرية الرأي والعيش المشترك” وبعد انتهاء المؤتمر بدأ برنامج الزيارات.
في بغداد كانت زيارة المرقدين الكاظميين ومرقد الإمام الأكبر أبو حنيفة، ودعوة للعشاء عند السيد عمّار الحكيم رئيس تيار الحكمة، ومطرنية السريان الكاثوليك لتقديم التعازي إلى المطران “عبا” بوفيات حادثة الحريق الكبيرة في إحدىالقرى السرياني، وفي مدينة كربلاء كانت زيارة العتبة الحسينية المقدسة ولقاء متولّي العتبة الشيخ الكربلائي، وعرّفني الرائع السيد إحسان صالح الحكيم الذي أصبح رئيساً للمؤسسة، بأنني “الشيخ المسيحي” كما كان يعرّفني في كل مكان نزوره.
أصبح اسمي بين الجميع كما في سورية كذلك في العراق “الشيخ المسيحي”.
كل العتبات والمراقد الشيعية زرتها، أنا الشيخ المسيحي، وآخرها مرقد الإمام عليّ.
يقول الحديث الصحيح: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله”.
ويقول الإمام عليّ عليه السلام وكرّم الله وجهه لكي لا يزعل مني أحد من السنّة أو الشيعة: “الفرق بين الحقّ والباطل اربعة أصابع” ثم وضع كفّه على خدّه بين الأذن والعين، وأشار إلى أذنه وقال “سمعتُ هو الباطل”، وأشار إلى عينه وقال “رأيتُ هو الحق”.
وكما تكلّمتُ وقلتُ في المؤتمر .. لقد رأيتُ أخلاقاً راقية في العراق، إن من السنّة أو الشيعة، كما كنتُ أراها في سورية.
بعد المقال سيقول لي أولئك الأشخاص الملوّنين عبر وسائل التواصل: “هل تشيّعتَ أستاذ؟”
اللهم اشهد اني بلغت